المفاهيم الجماليه والفلسفيه للفن الاسلامي واثرها في مختارات من التصوير المصري المعاصر

ايهاب محمد الزهري جناحه دكتوراة 2005

"فى ظل العولمة وإتساع دائرة الاتصالات والحوارات والسموات المفتوحة والتى بدورها تلغى كل الفواصل والحدود المميزة لكل حضارة وكل أمة عن غيرها، أصبحت فكرة التأكيد على أصالة فنوننا أكثر إلحاحاً وضرورة حتمية، والفن الإسلامى كأحد روافد حضارتنا تأتى أهميته الكبرى كمصدر إلهام لفنانينا المعاصرين، وكمصدر لكثير من القيم الفنية التى تتفاعل فى تكوين العمـل الفنى، وذلك فى إطـار التأكيد على الهويـة المصرية فى الفن المعاصر.

 

والجدير بالذكر أن الفنان المسلم برع فى إبراز قدرته الفنية على ""هضم تراث فنون الحضارات السابقة على ظهور الحضارة الإسلامية، بأسلوب متميز ومتبلور عن المصادر التى تطور عنها"" (1)مستبدلا بعض الأساليب التشكيلية المتوارثة من فنون هذه الحضارات بما يقصده من قيم فنيه معينه، بأساليب تشكيلية أخرى مأخوذة أو متطورة عنها وذلك لإبراز قيم فنية جديدة تتوافق مع العقيدة الإسلامية ، حيث تبدو المفردات وكأنها لقواعد خاصه، أو ما يشبه المنطق الداخلى المنظم"" (2) فلقد إبتكر الفنانون المسلمون أساليب وصور مستحدثه تخضع للقيم الروحية وتقوم على أسس التنظيم الجمالى من الإتزان والإيقاع والوحدة والتنوع وتتصف بالرسوخ والوحدة والشمول وقد أرجع (أرنست كونل) هذه الوحدة التى يتميز بها الفن الإسلامى إلى النص العربى (لغة القرآن) مؤكداً على أنه ""عنصر هام فى كل عمليات الإبداع الفنى ككل"" (3)

 وعند تذوقنا للفن الإسلامى وقراءتنا له من الناحية الإبداعية نجد أنه ""فن يجمع بين الواقعية الرمزية والتجريدية التى تؤلف الحقيقة الجوهرية له، فلابد عند تقييم هذا الفن من تأمل هذه التجليات كل على حده بحيث يتعايش المتلقى (المتذوق) لهذا الفن مع المناخ الخاص به وهو المنـاخ الخاص للفن الإسلامى.

 إن الجمال فى الرؤية الإسلامية تدريب للذات على الترقى من المحسوس إلى المجرد ومن المتناهى إلى اللامتناه ، ومن الجميل الفيزيقى إلى الجليل الميتافيزيقى، فجمال الشئ ملمح أو تجل لجمال الخالق ، فالفنان المسلم لم يتخذ الفن كلغه تصف وتروى أو تعكس معاناه أو مشاعر أو عواطف، فتتجلى جمالية الفن الإسلامى فى أنها تجمع بين المطلق والعرضى ، التجريدى والحسى، فقد كانت رغبه الفنان المسلم فى خلق عالم مختلف ومستقل عن عالم مخلوقات الله، فكان أسلوبه فى تحوير الأشكال، التى لم يصدر عن روح قلقه أو عن أزمة حضارية تدفع إلى العبث، بل رغبه فى خلق عالمه الخاص الذى تتحقق فيه ملاءمة العمل بغايته وشكله بمضمونه فتجاوز المظهر السطحى واللحظى للعمل بهدف التأكيد على إستمراريته وخلوده، وبالسمو بطبيعة الأشياء تعبيراً عن المطلق.

فجاءت جماليه الفن الإسلامى متوازنة ما بين التعبير والوظيفه، فنكاد نلمح تناسباً ما بين الذات والموضوع حيث تتجلى فيه وحدة الشكل والمضمون وهو ما يؤكد موقف الفنان المسلم الحدسى المتوازن وغير المتكلف.

""والقيمة الجوهرية للفن الإسلامى تكمن فى إيقاعه وتجريده، وما يصاحب ذلك من إحساس موسيقى رائع لا يجاريه فيه أى فن أخر، وهو التجريد القائم على النظر إلى المطلق أو المجرد دون الاهتمام بمحاكاة الأشياء لذا نجد أن وظيفة هذا الفن لم تكن نقل المرئى بل إظهار ما هو غير مرئى ،وتأكيداً لهذه القيم إتجه إلى الهندسة والتجريد معتمداً على التماثل والتناظر، وتعدد المساحات فى توزيعها والإيقاع الخطى المتراقص فى فن الأرابيسك الذى يوحى بالمسرة والشعور بالمتعه البصرية موضوعياً او بموجز العبارة "" يسر العين "".( )

 

وقد عرف الفنان المسلم أن الوسيلة التى تساعد على تحقيق أغراضه الجمالية هى ""الإيقاع والانسجام والدقة للتعبير عن النظام الأبدى وإنسجام الكون، وتلك القيم الميتافيزيقية يستشفها المتذوق فى العمل الفنى ، فهى ليست هدفاً شعورياً للفنان أثناء عملية الخلق الفنى "" ( )

 

إن الفن الإسلامى بكافة فروعه ومجالاته المتمثلة فى أشكال العمارة والزخرفة والمنمنمات الإسلامية ، كانت مصدراً هاما إستهوى العديد من الفنانين الغربيين وجعل لديهم شوقا وحاجه لمعرفه خبايا هذا العالم ، فاستلهموا آصالته وروحانيته وتراثه الفنى الذى جسده الفنان المسلم باستشفاف الروح حدسا من خلال تأمله للظواهر ومحاولاته للتوحد معها، ويعتقد أن الأسباب التى دفعت كل من الفنان المعاصر الأوربى والعربى للالتجاء إلى دراسة واستلهام الفن الإسلامى فى أعماله المعاصره يختلف فى الحالتين:

 

أ- بالنسبة للفنان الأوربى: عندما وصل إلى طريق مسدود فى الإبداع الفنى فى ظل تقاليد الفن القديمة القائمة على المحاكاة كالكلاسيكية والواقعية والتأثيرية وغيرها بدأ فى البحث عن الجديد من القيم الفنية وأساليب الأداء والرؤية الفنية فوجد ضالته فى الفنون القديمة مثل الفنون البدائية والإفريقية والفرعونية والإسلامية، مثلما فعل بيكاسو عندما لجأ إلى الفن الإفريقى، وجوجان إلى الفنون البدائية فى جزر تاهيتى، وماتيس، وبول كلى إلى الفنون الإسلامية وهكذا.

ب – بالنسبة للفنان العربى والمصرى: عندما شعر الفنان بالتخبط والذوبان والغربة بين الأساليب الفنية الغريبة عليه والوارده من الغرب والتى لاتخرج أعماله فى ظلها عن كونها ترديد وتقليد ومحاكاة لهذه الأساليب الغربية، وكذلك عندما بدأت تتبلور المشاعر القومية ومفهومها والحاجة إلى تأكيد الهوية المصرية فى الفن، وتأكيد آصالته وشخصيته كفن عربى معاصر، بدأت الدعوة إلى العودة إلى إستلهام فنون حضارتنا، حيث لجأ بعض الفنانين إلى الفنون المصرية القديمة، والبعض الآخر إلى القبطية، والبعض الثالث إلى الإسلامية.

      

والحقيقة أن الفن الحديث يعتبر فن التخلى عن الواقع والإسقاط فى الرؤية التشكيلية المجردة والفن الإسلامى بما يزخر به يؤكد ويعطى صفه الحداثة والأصالة والتفكير الفياض على مر العصور ويعتبر كنزاً ومعيناً لا ينضب للفنانين المعاصرين ، أكثر ما يبرهن على ذلك بعض حركات الفن المعاصر فالفن التكعيبى مثلاً يقوم على صياغة إيقاعيه جديدة للعناصر الطبيعية بعد تحليلها إلى سطوح وأحجام هندسية والمدرسة الوحشية تقوم على تجريد وتبسيط يعتمدان على الخط واللون والتجريدية تعتمد على تجريد الأشياء وتبسيطها والتأكيد على الرمزية فى اللون وكذلك ""الأوب أرت"" Op art (*) وغيرها من المدارس التى تعتمد على الحركة والضوء والتنغيـم اللونى والحجمى وكل هذه المدارس والاتجاهات الفنية نجد جذورها ودعائمها الأولى فى نظريات الفن الإسلامى، والفـارق الأوحد بين الفنان المسلم و الفنـان المعاصر أن الأول حقق فاعليته الفنية التى أستشعرها فى أعماله تعبيراً عن موقفه إزاء الطبيعة، أما الثانى فإنه يعبر عن فلسفة عملية يقدم لنا منها أشكالاً لا تحقق الاستمتاع الجمالى بنفس القدر فى الفن الإسلامى الذى نستشعر عذوبته ونلمسها فيه وقد فطن كثير من الفنانين التشكيلين فى الغرب لما يكمن فى هذا الفن مما جعلهم يهتمون به حينما رسموا اللوحات الفنية وبحثوا عن نظام تشكيلى فنى لا يسعى إلى المحاكاة التقليدية وما فيها من نقل لما هو ظاهر ولكنهم يبحثون عما يكمن خلفها من جوانب أخرى إنسانيه، وهكذا أوجدوا التكوينات التى تتعارض مع مفاهيم الإستقرار والتوازن فى العمل الفنى بل التى بحثت عن الحركة التى أعتبرت هى الأساس لإيجاد علاقة فنية تعبيرية حيوية، أكثر تعبيراً عن الواقع، فإعتمد الفنان على التناغم فى الأشكال بدلا من التضاد أو التقابل، وسعى الفنان إلى رسم الأشخاص وهم يتحركون من خلال صيغ جديدة، مبتعداً عن أن يكون العمل الفنى مجرد تجميد لحظة زمانية وتقديم الشكل فى ثباته كما أعاد الفنانون الغربيون إكتشاف الفن الإسلامى وإستفادوا منه لعمل تكوينات جديدة حدثوا فنهم بها بل وجدوا فيه المفاهيم الجمالية والقيم الفنية التى ساعدتهم على هذا.

 

لذا رأى الباحث أهمية دراسة بعض أعمال الفنانين المصريين الذين تأثروا بجماليات الفن الإسلامى  وعلى سبيل المثال لا الحصر (صلاح طاهر – عمر النجدى – عبد الرحمن النشار  -  محسن عطيه – أحمد نوار – يوسف سيده – محمود سعيد – زينب عبد الحميد – محمد طه حسين – زينب السجينى  - حامد عبد الله – محمود عبد العاطى .....إلخ)، حيث يرى الباحث أن لهم بصمة واضحة فى تطوير الفنون الإسلامية ووجهة نظر فلسفية عميقة فى إستنباط العناصر(الهندسية والزخرفية والخطوط العربية)، وتطويرها لفكر وفلسفة العصر الحالى والذى تتضح فى أعمالهم الإلتجاء إلى الفن الإسلامى تأكيداً على قيمته وبذلك كانت أعمالهم مميزة بآصالتها وحداثتها مما يضفى على أعمالهم طابع الآصالة من جهة والعمق الفلسفى من جهة أخرى للتأكيد على أهمية الإستفادة من أصالة فنوننا الإسلامية فى أعمال معاصرة وكذلك لكشف النقاب عن كيفية تناول هذا الأعمال من الناحية التذوقية بالنسبة للمتلقى ."

ايهاب محمد سمير ياسين   "الخصائص التشريحيه للشرايين التاجيه في المصريين

(هل الشرايين التاجيه عند المصريين اصغر حجماً ؟)"


انشء في: أربعاء 17 أكتوبر 2012 08:00
Category:
مشاركة عبر